الحج.. أشواق لا تنتهي!
الحج.. أشواق لا تنتهي!
في كل عام، ومع اقتراب موسم الحج يشتد شوقي وحنيني لبيت الله الحرام، وأشعر أن دقات قلبي تلبي مع كل من لبى وطاف، وكل ذرة في جسدي تهفو إلى إجابة دعوة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- ، فتسارع بالتلبية والتكبير، وتفيض عيني بالبكاء، وأردد في شوق وحنينلبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك).
ترى هل يأتي يوم أحج فيه إلى بيت الله الحرام؟! لألبي دعوة أبينا إبراهيم -عليه السلام- وأكمل الأعمدة الخمسة لإسلامي، ويلبي معي الشجر والحجر، فقد قال - صلى الله عليه وسلم-: " ما من مسلمٍ يلبِّي إلاّ لبَّى من عن يمنيه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرضُ من ها هنا وها هنا" [الترمذي].
ترى هل تنادي الملائكة من السماء: لبيك وسعديك، زادُك حلال وراحلتُك حلال؟! ؛ لأعود بحج مبرور وذنب مغفور، تُرى سأكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج الحاج حاجّا بنفقة طيبة ووضع رِجله في الغرز (وهو ركاب من الجلد) فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء (أي مَلَك): لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور" [رواه الطبراني في الأوسط].
ترى هل يأتي يوم أطوف فيه حول الكعبة، وأقبل الحجر الأسود، كما قبله النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة؟!
ترى هل يأتي يوم أسعى فيه بين الصفا والمروة، كما فعلت أمُّنا هاجر؟!ترى هل أشد الرحال إلى مسجد رسول الله وأصلي فيه ؛ لأحظى بثواب ألف صلاة أو أكثر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه"
ومع كل هذه المشاعر الغامرة، لا أملك سوى الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه أن يرزقني حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا.
فالحج هو الفرصة الحقيقة لبداية جديدة لحياة بلا معاصٍ ولا ذنوب، نعم.. فالحج يجبُّ ما قبله، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يبشرنا فيقول: " من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" [رواه البخاري].
وها هو عمرو بن العاص يحكي لنا قصة إسلامه فيقول: لمَّا جَعَلَ الله الإسلام في قلبي، أتيتُ رسول الله صلىالله عليه وسلم، فقلتُ: ابسط يدك، فلأبايعك. قال: فبسط، فقبضتُ يدي. فقال: ما لك ياعمرو؟ قلت: أشترط. قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر الله لي، قال : أما علمت أنالإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟ اعلانات
والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا ما للحج من أجر وثواب فيقول: "ما ترفعُ إبلُ الحاجّ رِجْلا ولا تضع يداً إلا كتب الله تعالى بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة".
بل الأكثر من ذلك، أن الله سبحانه وتعالى الكريم اللطيف ذا الفضل والإحسان يفيض علينا بفضله ومنِّه، فيكون الجزاء العظيم، الجنة.. نعم الجنة، ويا لها من أمنية غالية!، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" [البخاري ومسلم].
الكثير منا تمنى أن ينال شرف المرابطين والمجاهدين، فمنزلة الجهاد عظيمة، وها هي الفرصة للجهاد، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمى الحجَّ جهادًا فيقول: شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين.
ولعلنا ندرك أن منزلة الحج لا تقل عن منزلة الجهاد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "الغازي في سبيل الله والحاجُّ والمعتمر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحج للنساء جهادًا. فقد روى البخاري أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: "لا، لكنَّ أفضل الجهاد حجٌّ مبرور".
وقد سئل عليه الصلاة والسلام: أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور" رواه البخاري ومسلم.
والآن أوجه ندائي إلى كل من واتته الفرصة لزيارة بيت الله والفوز بالحج هذا العام، فأقول: إن الحج فرصة غالية، فلا تضيعها، فربما لا تعود تلك الفرصة مرة أخرى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤمُّ هذاالبيت مِن حاج أو معتمر، كان مضمونًا على الله، إن قبضه أن يُدخله الجنة، وإنرَدَّه رَدَّه بأَجْرٍ وَغَنِيمَة".
فكن حريصًا – أخي الحاج- أن يكون حجك مبرورا، وجاهد نفسك وروضها، فإنها فرصة العمر فلا تضيعها، وعلى قدر ما تبذله من عناء وتعب وجهد، يكون الأجر فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها : "إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك" [رواه الحاكم وصححه الألباني].
وفي كل عام يذهب إلى الحج المئات والألوف من جميع البلدان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ترى ما عدد من فاز بشرف الحج منهم؟! أراكم تتعجبون.. لا تتعجبوا. فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما لمجاهد حين قال: ما أكثر الحاج!! قال: (ما أقلَّهم ولكن قل: ما أكثر الركب).
فالحج يحتاج إلى إخلاص، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قائلاً: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".
والحج المبرور هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: " من حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدتْه أمّه". وحينما سئل – صلى الله عليه وسلم- عن الحج المبرور قال: "إطعام الطعام وإفشاء السلام".
وعلى الحاج أن يطمئن قلبه بمعية الله والأنس به، فهو يكفيه من كل شر وسوء، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم- : "ثلاث في ضمانِ الله: رجلٌ خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله، ورجل خرج حاجًّا".
وعند العودة من الحج بعد الفوز بالمغفرة والجنة، عليك الاستمرار في الطاعات والاستزادة منها، ولا تكتفي بما حققته في الحج، فقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه نظر إلى ركب عائدين من الحج، فقال: (لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لاتكلوا، ولكن ليستأنفوا العمل).
وأخيرا أوجه ندائي إلى كل من أنعم الله عليه بفرصة الحج، فأقول: عليك باستحضار النية، وأن تكيد للشيطان، فلا تعطه الفرصة ليضيع عليك هذه الغنيمة.. إنها الجنة فلا تضيعها، وأدعو الله لك أن يكون حجك مبرورا وذنبك مغفورا، وأرجو ألا تنسونا جميعا من فضل دعائكم وأنتم في هذه الأماكن المقدسة الطاهرة.
لا تنسونا من دعوة خالصة أن يرزقنا الله الحج مثلكم، فقلوبنا تطوف معكم، وألسنتنا تلبي معكم، ومشاعرنا تغمرها اللهفة الشوق والحنين، ، لقد زاد الشوق وفاض، وفاضت معه دموع العينين تنادي المولى: اللهم ارزقنا حجا مبرورا وذنبا مغفورا ، ولا تحرمنا يا مولانا زيارة بيتك الحرام، لنصلي صلاة بمائة ألف صلاة، فلا تحرمنا يا جواد من فضلك وجودك، واسقِ هذه القلوب العطشى برؤية بيتك الحرام، والطواف حول الكعبة، وزيارة مسجد النبي، وزيارة قبور الصحابة، ليغمرنا نور المغفرة والرحمة، ليغمرنا الأمن والأمان في هذا الحرم الآمن، اسقنا من ماء زمزم شربة فيها الشفاء من أسقام أبداننا وأرواحنا يا أرحم الراحمين.